(Spoiler Alert .!)
تقدم الرواية خطين زمنين متباعدين لكن في نفس الوقت متداخلين. تبدأ القصة في عام ١٩٦٢ في قرية صغيرة على الساحل الإيطالي حيث نقابل الشخصيات الرئيسية في الرواية : “دي” الممثلة الإمريكية و باسكوالي الشاب الإيطالي صاحب الفندق المتواضع. يقع باسكوالي في حب “دي” التي تعتقد أنها مصابة بسرطان المعدة لنكتشف بعد ذلك أنها حبلى وتم خداعها بأنها مصابة بالسرطان لحماية سمعة فنان مشهور. نقابل ايضًا الكاتب الأمريكي “ألفيس” ( يتزوج بعد ذلك ب”دي)” الذي يمضي الصيف في هذه القرية الإيطالية النائية محاولًا كتابة رواية عن تجربته خلال الحرب العالمية ولكنه لا يستطيع سوى كتابة فصل واحد اختصر فيه كل ما حصل له خلال الحرب. بعدها تنتقل القصة لنتعرف على المخرج المشهور ميشيل دين الذي خدع دي ليبعدها عن الفنان المشهور ريتشارد بيرتون وإليزابيث تايلور حيث يمثل الإثنان في الفيلم المشهور كيليوبترا. تتحول القصة بعدها للزمن الحاضر لتقدم لنا الشخصيات الآخرى في الرواية ك “كلير” الشابة الإمريكية التى تعمل لدى ميشيل دين والتي تسعى لتحقيق أهدافها. ونقابل أيضًا ميشيل ودي وباسكوالي بعد ٥٠ عام من لقائهم في ١٩٦٢. يوضح لنا الكاتب في الفصل الأخير ما حصل لكل الشخصيات الرئيسية والثانوية في الرواية…دي التي حافظت على حملها انجبت صبي أسمته على باسكوالي وأصبحت تدير مسرح محلي بعد أن انتهت حياتها الفنية بسبب ميشيل، كما أنها أصيبت في آخر عمرها بالسرطان، وعادت لإيطاليا في إجازة مع باسكوالي الذي بعد وفاة زوجته قرر البحث عن دي ..تلك الجميلة التي وقع في حبها في غضون الثلاثة أيام التي قضتها في فندقه…ظل ميشيل جشعًا يبحث عن المال لإنتاج المزيد من الأفلام. ..وحققت كلير حلمها في إنتاج فيلم يحمل قصة ذات معنى.
عبرت الرواية القارات والثقافات وقدمت أشكال سرد مختلفة وأحداث غير متوقعة. اعتقد أن عنوان الرواية يشير للحصن الصغير الذي قضى فيه دي وباسكوالي بعض من الوقت خلال إقامتها في فندقه. في ذلك الحصن شاهد الإثنان نقوش كانت مرسومة على جدرانه. كانت تلك النقوش لفتاة جميلة رسمها أحد الجنود الألمان لكن لا يعرف أحد من هي تلك الفتاة الجميلة أو ماقصتها. تتجلى روعة النقوش عند مغيب الشمس عندما ينعكس الضوء على الجدران عاكسًا جمال هذه الفتاة…من هنا أعتقد أن جمال الرواية يتجسد. حيث بدأت دي وباسكوالي بنسج سيناريو عن هذه النقوش. فقرروا أنها تعود لجندي يحب فتاة في ألمانيا وأنه رسمها ليسليّ نفسه وأنه بعد الحرب عاد لها ولابنه. ، هذه الحكاية التي نسجها الإثنان تختصر فكرة الحب، والتضحية، والخسارة، والغفران والخلاص. النقوش فعلاً كانت تعود لجندي ألماني ، لكن الفتاة لم تكن حبيبته..لم تكن سوى أخته التي كان يحمل صورتها معه ليشعر بالشجاعة والقوة ليعود لها..لكن في النهاية قُتل الجندي في الحرب، وقبل وفاته أخته توفيت بالأصل.!
في القصة التي نسجت دي وباسكوالي نجد معنى للحب، معنى للتضحية، معني للخسارة ومعنى للغفران والخلاص. ف”دي” التي عرفت أنها حامل بطفلها الأول وحبيبها تخلى عنها كانت تنسج قصة لفتاة زوجها ابتعد عنها زوجها ليذهب للحرب لكنه يعود بعد سنوات لها ولطفلها فتسامحه عن كل تلك السنوات..متخيلة بذلك أنه لو قرر ريتشارد العودة لها ستسامحه. وباسكوالي الذي ترك حبيبته في فلورنسا وطفله كان يتخيل نفس السيناريو
الرواية ناقشت قضية فساد السينما من ضمن عدة مواضيع آخرى ناقشتها. و كغيرها من روايات مابعد الحداثة هذه الرواية لها أسلوبها الخاص في تداخل الأنواع الأدبية وتداخل الأفكار والمواضيع.
في الفصل الأخير (أجمل فصل بالنسبة لي)، يوضح الكاتب أن كل منا له حكاية خاصة،،وكل الحكايا، هي حكايا حب وإن اختلفت..فحكاية المحقق مثلًا حكاية حب لقضيته، لعمله… وكل واحد منا يستطيع أن يستخلص من حكايته أو حكاية غيره غاية تختلف عن الآخرين. بالنسبة لي كانت فكرة “الحب والخسارة” أسمى الأفكار في الرواية. وضحت لنا الرواية كيف أن الحب لا يموت..الحب الحقيقي لايموت أبدًا حتى وإن اختفت شمسه لفترة لا بد أن يعاود الظهور مجددًا ..ولو بصورة آخرى، مع شخص آخر. إذا ولد الحب في قلوبنا فإنه لا يموت..نحن فقط من نقتله بعدم قدرتنا على المسامحة والغفران والنسيان. تجعل الرواية القارئ يتأمل قصته هو ايضًا ليس قصة الشخصيات فقط..هل هو قادر على الحب؟ ماذا سيفعل عند أول خسارة له؟ هل سيتسلم أم سيمضى؟ الحب هنا ليس الحب المبتذل أو حتى الحب الجسدي..بل الحب الصادق: أن تحب شخص لأنه هو فقط،،لا لشكله، لا لشئ يمتلكه..تحبه كما هو فقط!
“All we have is the story we tell. Everything we do, every decision we make, our strength, weakness, motivation, history…”