يوثق الكتاب معاناة الأمريكي الأسود “سولمون نورثروب” مع العبودية والتي استمرت لإثني عشر عامًا. عاش سولمون في نيويورك خلال الأربعينات من القرن التاسع عشر كرجل حر، حيث كانت نيويورك تمنع العبودية. سولمون هو حفيد رجل أسود كان عبدًا لأحد الأمريكين البيض وتم تحريره من قبل سيده فأصبح ابنائه من بعده أحرارًا. كان سولمون رجل متعلم يجيد العزف على الكمان بمهارة ويعيش حياة رغيدة مع زوجته وأطفاله الثلاثة ويعمل في عدة أعمال وكذلك تفعل زوجته. بدأت معاناته عندما قابل رجلين يبدو عليهما مظهر النزاهة في أحد شوارع نيويورك حيث عرض عليه الإثنان وظيفة مؤقتة في سيرك سيقام في العاصمة واشنطن نظير مبلغ مالي كبير. وافق سولمون في الحال وغادر مع الرجلان اللذين قاما باستخراج أوراق رسمية له بأن رجل حر ليستطيع العبور من ولاية لولاية دون مشاكل. لكن يكتشف سولمون بعد ذلك أن كل مايجري خدعة عندما استيقظ بعد قترة ليجد نفسه مكبلًا بالقيود بعدما تم تخديره واقتياده كعبد.! حاول سولمون فهم مايجري وقام بإخبارهم بأنه رجل حر ولكن تم ضربه بشدة وإبلاغه أن سيتعرض للضرب المستمر إن ذكر ذلك مجددًا. لم يستطع سولمون السكوت عن حقه واستمر في الترديد بأنه رجل حر، لكن في النهاية عرف أنه لا سبيل لمواجهة هؤلاء فآثر الصمت. بعد ذلك تم إقتياد سولمون للجنوب وتم بيعه كعبد لتبدأ سلسة من الأحداث التي تبين إلى أي مدى قد تصل وحشية البشر تجاه بعضهم البعض. يحكي سولمون عن ماجرى له خلال هذه الأثنا عشر سنة و يحكي عن معاناة العبيد الأخرين الذي صادفهم في المزارع في جنوب أمريكا. في النهاية يتم تحرير سولمون عن طريق مساعدة رجل أبيض والذي قام بإبلاغ السلطات في نيويورك بأن أحد أبناء ولايتهم تم خطفه كعبد.
كتب سولمون نورثوب هذا الكتاب بعد تحريره ليوثق جزء من حياة العبيد خلال تلك الفترة ويوضح المعاناة والظلم الذي يقع على الأمريكين السود. اعتبر كثير من النقاد كتاب سولمون من أكثر الكتب مصداقية في تصوير العبودية آنذاك. بالنسبة لي هذه أول مرة أقرأ كتاب عن العبودية كُتب من أحد العبيد نفسهم، فالقليل الذي قرأته سابقًا كان عبارة عن روايات تحاول عكس معاناة العبيد. لهذا السبب، كان لقصة سولمون تأثير كبير علي. قضيت أيام وأنا أفكر في الصدمة التي يمكن أن يعاني منها الشخص عندما تسلب حريته! نحزن عندما تسلب منا حريتنا في اختيار شئ معين في حياتنا..كوظيفة، منزل، سيارة، إلخ، فما بالنا بمن سلبت حريته من ..كل شئ! تنام وتستيقظ لتجد نفسك مجرد من كل شئ…من أعز ماتملك، روحك. مهما حاولت فهم مامر به سولمون فلن أستطيع أن أعرف معنى الشعور بالعبودية، أقصى مايمكنني أن أشعر به هو التعاطف معه، الحنق الشديد ضد من يسمون أنفسهم بشر. مؤلم كيف أن بعض الناس قد يتجرد من إنسانيته ويقوم ليس فقط بإستعباد شخص آخر، بل القيام بضربه وتقيده وإهانته. من لم يمر بالتجربة نفسها لا يمكنه أن يدرك معاناته، سيظل إدراكنا ناقص. سيظل هناك حلقة ناقصة.
عرض سولمون لتجربته بجانبها الأسود (الجزء الذي يشعر به القارئ بالعار!) والجانب الذي يمكن أن نطلق عليه إنساني أعطي سرده مصداقية كبيرة. فخلال الكتاب لم يكتفي سولمون في وصف معاناته ومعاناة السود مثله وماكانوا يتعرضون له من إهانة وضرب مستمرين، بل قام بوصف بعض الأسياد الذين تعرف عليهم خلال عمله والذين كانوا يتعاملون بمنتهى الإنسانية مع مملوكيهم. القصة التي سردها سولمون عن السيدة السوداء الحرة التي قام أبناء (عشيقها) الأبيض بخطفها وبيعها مع ابنتها (أختهم.!) كانت أكثر ما ألمني في القصة..أم تموت وهي مازالت على قيد الحياة بعدما قاموا بأبعادها عن صغارها…بشر مثلنا يولدون ويموتون في اليأس..وجه قبيح، وأسود للبشرية.
خلال سرده أظهر سولمون للأمريكين البيض أن السود سواء ولدوا عبيد أو أحرار يظلون بشر كغيرهم، لديهم مشاعر، أحلام، أمنيات مثلهم. أبدع في تجسيده لصبر السود وكيف أنهم حتى في خضم معاناتهم لا يزالوا يحملون في داخلهم أرواحهم الحقيقية.
في نهاية الكتاب نرى أن العدالة لم تتحقق بالرغم من أن سولمون تحرر من الرِّق، إلا إن الرجلين الذين قاما بخطفه استطاعا الإفلات من العقوبة، حيث وجد القاضي أنه لا يوجد دليل يدينهما! يقول سولمون في كتابه: “هناك ذنب، ذنب مخيف يجثو على كتفي هذه الأمة ولن يمر بلا عقاب. الحساب لابد أن يتم…قد يكون عاجلًا وقد يكون أجلاً، لكنه لا محالة آتي..ثقتي بذلك كما هي ثقتي بأن الله عادل”
الكتاب تم تصويره كفيلم يحمل نفس العنوان ( Twelve years as a slave/ 2014) لم أشاهد الفيلم بعد، لكن سأكتب تدوينة مستقلة بعدما أشاهده لأقارن بين العملين 🙂
الكتاب رائع، أنصح الجميع بقرائته ليعرفوا قيمة الحرية…وليتعرفوا على الجانب الأسود من البشرية!