الإطراء والتعاطف من أساسيات الحياة ….هما أكسجين وثاني أكسيد كربون التفاعلات الاجتماعية. يقود التباهي بشكل مباشر لتلقي سيل من الإطراء والمديح، بينما يُستدر التعاطف عن طريق التشكي. ويأتي “التفاخر المتواضع” في المنتصف بين هاتين الحاجتين المتنافستين. وحاله كحال معظم أنواع تعدد المهام حيث تقود الرغبة في إشباع هدفين في وقت واحد إلى فشل مضاعف
يقول د. مايكل نورتن ( أستاذ الاقتصاد في كلية هارفرد للأعمال) ” جعل الناس يعجبون بنا ويتعاطفون معنا هدفان رئيسيان في الحياة.” يظن الناس أنه بإمكانهم الحصول على أقصى ما يمكنهم من إعجاب وتعاطف الآخرين إذا كانوا غير مباشرين في تصرفاتهم وكلامهم. ولكن بدلًا من ذلك كل ما يحصلوا عليه هو نبذ الأخرين لهم لنفاقهم
التواضع المصطنع ليس اكتشافا حديثا كما أثبتت جين أوستن. لكن “التفاخر المتواضع” كما يقول د. نورتن هو مزيج لشيئين. وقد يكون هو نتاج لعصر وسائل التواصل الاجتماعية والمساحة المحددة لمنصاته كتويتر. فمثلًا، القصص التي كانت سابقًا تخلط بين التواضع والتباهي بحذر، فجأة الآن تبدو بشكل مركز في تويتر كمحاولات غير مصقولة لإخفاء الفخر بالنفس
درس الباحثون التفاخر والتشكي و”التفاخر المتواضع” في وسائل التواصل الاجتماعية ومقابلات العمل وقيّموا من خلالها كيف يتجاوب الناس مع ذلك. باختصار، يعطي الناس اعتبار للتشكي ويتحملون التباهي ولكنهم يمقتون الجمع بينهما. توصلت الدراسة أيضا إلى أن انتشار ظاهرة “التفاخر المتواضع” في وسائل التواصل الاجتماعية والحياة اليومية يشير إلى اعتقاد الناس بأنه استراتيجية فعالة للترويج عن النفس. ولكن على العكس تظهر الدراسة أن الناس ينتقدون ويحطون من شأن من يفعل ذلك بسرعة. وإذا كان لابد لك أن تختار بين التباهي ( بصراحة) أو “التفاخر المتواضع” ( بشكل مخادع) لتروج عن نفسك، فينبغي عليك أن تختار التباهي الصريح!. وأضاف د. نورتن أن هناك ثمن اجتماعي لكونك صريحا جدا. الأطفال الصغار يشجعون على عدم بدء جملهم بأفعال كـ “أعطني”! ومع الوقت يتعلمون أن المقدمات ضرورية ومن الأدب واللباقة…”إذا لم أسبب لك ازعاجًا، هل يمكنك أعطائي….” لكن “التفاخر المتواضع” مقزز بشكل خاص لأن رائحة النفاق تفوح منه كما يقول د. نورتن وهذا يعني أنه أسوأ من النرجسية الصريحة
كما أنه من الضروري أن تنأى بنفسك عن المديح. فمثلا التفوه بعبارة كـ ” يعتقد البرفسور أني أفضل رسام في الكلية! ممم لا أعرف ” يجعلك تبدو ساذجًا. من ناحية آخرى قول “نعم سمعت إطراء البرفسور” يتطلب منك إخفاء أو حتى اظهار علامات حقيقة للتواضع والذي دائما ما ستفسر بأنها نفاق! عليك أن لا تصغي لإطراء الآخرين عنك بكثب و بنفس الوقت لا تتجاهله…. ولا تكذب بشأن قدرتك على سماعه أيضًا
من الطبيعي أن تريد أن يبدي لك أصدقائك مزيج مثالي من الإطراء والتعاطف في جميع الأوقات وأن يظهروا لك باستمرار إعجابهم المفرط بعبقريتك. بينما في نفس الوقت يدركوا كل الأعباء الخارقة التي تقوم بها يوميًا. ولكن من الأفضل أن تفصل بين رغبتك باستدرار تعاطفهم وبين رغبتك بالحصول على ثناءهم
صاغ هاريس ويتلز مصطلح ” التفاخر المتواضع” في ٢٠١٠ وتوفي فبراير هذا العام وهو في الثلاثين من عمره (Humblebrag)*