تحدي القراءة ‏٢٠١٦

الكتاب السابع عشر: مذكرات “حليب أسود” للكاتبة إليف شفاق

img_2328

قبل كل شئ، شكرًا أحمد العلي على هذه الترجمة الرائعة. لم أشعر في أي لحظة بأني أقرأ كتابًا مترجمًا

كتبت شفاق هذه المذكرات بعد معاناتها مع اكتئاب ما بعد الولادة وتتناول فيه موضوع الأمومة والكتابة، ولكن الكتاب أبعد مايكون عن السوداوية، بل على العكس هو رحلة عبر الروح أو بالأصح مواجهة مع النفس. لا أعتقد أن أي أحد سيفهم هذا الكتاب كامرأة في نهاية العشرينات أو في الثلاثينيات من عمرها. لأن كل ما تحكيه شفاق يلامس الصراعات التي تعيشها كل امرأة في هذا العالم

الكتاب يشبه مقالة وولف “غرفة تخص المرء وحده” حيث تتناول فيها وولف كيف فرض المجتمع على المرأة بعض القيود التي حدت من إبداعها أو رسمت لها حدودًا وواجبات لا يصح أن تتركها. في حليب أسود، تبدأ شفاق الرحلة عن حياتها قبل الزواج وكيف كان هناك صراع داخلي بين رغبتها في الاستقلال والعيش لوحدها وبين رغبتها في الزواج والإنجاب. بعد ذلك تسرد قصص عن أدبيات ونساء مشهورات وكيف تعاملت كل واحدة منهن مع هذه الصراعات التي تمر داخل كل امرأة، موضحة عبر هذه النماذج أن ما يرضي أحدهن ليس بالضرورة أن يرضي الآخريات. من بين هذه النماذج من تخلت عن الأمومة في سبيل الحرية وكانت راضية بخيارها، و منهن من أنجبت وتخلت عن أطفالها، وفي المقابل هناك من حاولت الجمع بين عملها وزواجها. هذه النماذج وكأن من خلالها شفاق تحاول أن تضع كل الخيارات أمامها وتواجه نفسها لتعرف ما ترغب به هي حقًا، وليس ما يرغبه الغير لها، أو ماكانت تعتقد أنها كانت ترغبه. بعد أن تزوجت وأنجبت طفلتها أصيبت شفاق باكتئاب مابعد الولادة والذي بسببه لم تستطع ممارسة الكتابة حتى تغلبت عليه في نهاية المطاف بعد أن عرفت أن معظم النساء يصبن بهذا المرض وإن كان بدرجات متفاوتة. في هذا الجزء من الكتاب تطرقت شفاق لموضوع جميل حول حاجة المرأة للدعم النفسي بعد الولادة. تقول شفاق في هذا العالم تحيط بنا أفكار استقلالية المرأة واعتمادها على نفسها، لكنها لاحظت أنها بحاجة للروحانية التي كانت تحكي عنها جدتها لأمها، ليس فقط ذلك ، بل لوجود عائلتها من حولها. تذكر كيف أنه قديمًا تمكث المرأة بعد الولادة بجانب نساء آخريات يساعدنها حتى ولو على الصعيد النفسي، تجربة الأمومة تجربة جديدة ومخيفة في آن واحد، و فيها تحتاج المرأة لمن يطمئنها.

لا أستطيع وصف مافعله الكتاب بي. فعلا هذا الكتاب صنع علامة فارقة في حياتي. كنت دائمًا أشعر بأني في الثلاثين من عمري سأكون عرفت ما أريد فعله في حياتي، هذا الوهم أو الحلم -ـ سموه ما شئتم ـ الذي يملأ عقولنا نتيجة لبروجندا الإعلام التي تحيط بنا من كل جهة بالإضافة للمفاهيم الجديدة حول المرأة والعمل والاستقلالية، ماجعلني أتجاهل مواجهة نفسي لأعرف فعلًا ما أريد، وسؤال نفسي “هل ما أفعله اليوم هو فعلًا ما أريد فعله لبقية حياتي، هل أنا راضية بالفعل عن حياتي؟”…لا أتكلم عن رضا كامل لكن على الأقل سلام داخلي مع النفس. حليب أسود، جعلني أواجه نفسي وهذه أصعب مواجهة قد مرت بي، عرفت من خلالها الأشياء التي أرغب في المضي في فعلها والأشياء التي كنت أود فعلها ولكن كنت أتجاهلها. وعرفت حينها فقط أن الحياة جميلة فقط إذا ما أعطينا أنفسنا فرصة لفعل ما نرغب فيه دون المحاولة لإرضاء تطلعات الآخرين أو المجتمع عنا. فـ “رضا النفس” مقدم على “رضا الناس”! أنا لست نسخة مكررة لبقية الشابات، لست مجبرة على اختيار نفس خيارتهن، ولست مجبرة على تبرير خياراتي المختلفة. قصة شفاق توضح لنا أنه لا بأس في تغيير القناعات أو بالأحرى فهم أنفسنا حتى لو تأخر ذلك مادام ذلك سيكون سبيل لسعادتنا، فنحن نستحق حياة أجمل

One thought on “الكتاب السابع عشر: مذكرات “حليب أسود” للكاتبة إليف شفاق

  1. أنا أيضاً صنع هذا الكتاب نقطة تحول في حياتي، وجعلني أفهم نفسي أكثر ومدّني بالقدرة على مواجهتها ..
    وأصلح عزيز علي لدرجة أن أهديته لخمس صديقات حتى الآن.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s